وقد استوقفتني الحرب التي شنّها الروم على الجزيرة بعد نحو قرنٍ ونصف من حكم الأندلسيّين المنفيّين لها، وهي حربٌ حشد فيها الروم أساطيل ضخمة وأخفقوا مراراً في الاستيلاء على الجزيرة قبل أن يتمكنوا من إخضاعها.
وعندما قرأت بعد ذلك عن حصار طروادة ثمّ استيلاء الإغريق عليها سنة 1180 قبل الميلاد، وجدت تشابهاً كبيراً بين الحربين، مع أن حادثة حصار جزيرة كريت ثمّ الاستيلاء عليها وقعت بعد نحو ألفي سنة من حادثة حصار طروادة والاستيلاء عليها.
وقد كنت أعتقد لمدّة طويلة أنّ حرب طروادة هي مجرّد قصّة يونانية أسطورية لأنّ بعض تفاصيلها وردت في (الإلياذة) لهوميروس في القرن الثامن قبل الميلاد، وكذلك كنت أعتقد أن طروادة مكان خياليّ فقط، إلى أن وقفت بالمصادفة على وصف لمدينة طروادة الواقعة في الشمال الغربي لتركيّا، وأنّها مدينة أثرية وأنّ اليونسكو أدرجتها ضمن التراث العالمي.
فما كان منّي إلاّ أن شددت الرحال إليها، وكانت المسافة بين استانبول وبينها خمس ساعات بالسيّارة، حيث تقع المدينة في الجنوب الغربي لاستانبول، ولا بدّ للوصول إليها من ركوب البحر من القسم الأوروبي لمدينة شناكلي (Canakkale) إلى القسم الآسيوي الذي تقع فيه مدينة طروادة، حيث تقع على القسم الآسيوي من مضيق الدردنيل الواصل بين بحر مرمرة شرقاً وبحر إيجة غرباً، وفي هذا المضيق خاض العثمانيون حروباً بحرية شرسة في الحرب العالمية الأولى، حيث يوجد في الجزء الأوروبي من مدينة شناكلي الكثير من الحصون والقلاع القديمة وأضرحة الشهداء العثمانيين.
ترسو السفن القادمة من القسم الأوروبي لمضيق الدردنيل في موانئ كثيرة في القسم الآسيوي حيث يتدفق الركاب والسيارات والحافلات والشاحنات وحتّى الجرّارات الزراعية من داخل السفن إلى مدينة تروفا (Truva)، حيث يوجد تمثال ضخم لحصان طروادة، وقد أقيم هذا الحصان الخشبي سنة 2004 لتصوير الفيلم الشهير عن حصار طروادة من إخراج ولفجانج بيترسون.
غير أنّ تروفا ليست هي طروادة، بل إنّ ثمّة مدينة أثرية مهدّمة تدعى ترويا (Troia) تبعد ثلاثين كيلو متراً إلى الجنوب الغربي من تروفا وهي أيضاً في القسم الآسيوي وتطلّ على آخر مضيق الدردنيل باتجاه الجنوب المطلّ على بحر إيجة.
وقد وصلت إليها ووجدت الكثير من السيّاح الصينيين واليابانيين والأوروبيين وسواهم ممّن يأتون من أقاصي الأرض لزيارة هذه المدينة الأثرية الغنيّة بالأسوار والمعابد والأعمدة والآبار والنقوش اليونانية والمقرنصات والجرار الفخارية والمدرّجات وغيرها، وتقول المصادر إنّ هذه المدينة الأثرية هي التي شهدت حرب طروادة الشهيرة أو ما يعرف بحرب تروجان بحدود 1200 قبل الميلاد. وقد تعرّضت المدينة لأحداث كثيرة من حروب وغزوات وزلازل.
وقد أنشئ حديثاً سنة 1974 عند مدخل هذه المدينة الأثرية هيكل لحصان خشبي يمثل حصان طروادة الشهير.
وقفت طويلاً في ذلك المكان متأملاً وخيالي يذهب تارة إلى آلاف السنين الماضية وتارة يذهب إلى جزيرة كريت التي لا تبعد كثيراً عن ذلك المكان، فهي تقع بين بحر إيجه والبحر الأبيض المتوسط، كما أنّ العدوّ الذي احتلّ طروادة من قبل هو الذي احتلّ جزيرة كريت من بعد.
[email protected]
